يتواصل العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني مصحوباً بخطاب صهيوني رسمي وإعلامي عنصري، أظهر فيه الساسة وكتّاب الرأي الإسرائيليون أفكارهم التحريضية ضد كل ما هو فلسطيني.
لقد استخدم كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء والرئيس ووزير الدفاع، لغة مهينة وشاملة في وصف الفلسطينيين، في إشارة إلى نيتهم تدمير وتشريد سكان غزة، مع فرض حصار لا هوادة فيه، وحرمانهم عمداً من ظروف الحياة الضرورية للبقاء البشري.
وتشمل التصريحات التحريضية بعض كبار الساسة الإسرائيليين، وعدداً من الإعلاميين، وانتشرت كذلك بين العديد من جنود جيش الاحتلال، وتمّ توثيقها بالصوت والصورة.
ولأنّ تلك الممارسات التحريضية قد تصل إلى حدّ يجرّمه القانون الدولي، فقد استخدم بعضها كدليل في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل.
إن هذه التجميعات من التصريحات الصادرة عن القادة الإسرائيليين وصناع الرأي العام، سواء في الماضي أو الحاضر، ليست شاملة بأي حال من الأحوال، وتكشف عن النية الإبادة الجماعية وراء الهجوم العسكري الحالي ضد الفلسطينيين.
تحريض على المستوى الرسمي
على الرغم من أنَّ التحريض على الإبادة الجماعية مُجرَّم بموجب القانون الإسرائيلي، إلا أنّ العديد من المسؤولين والسياسيين والإعلاميين الإسرائيليين يمارسون تلك الجريمة علناً من خلال تصريحات موثقة.
فقد نشر نائب رئيس البرلمان الإسرائيلي تغريدة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال فيها: "احرقوا غزةَ فوراً، ولا شيء غير ذلك!"، وأثارت تغريدته حينها موجة غضب واسعة دفعت منصة إكس إلى إجباره على حذفها.
وفي منشورٍ سابق كتب فاتوري: "لدينا جميعاً هدف مشترك، الآن، وهو محو قطاع غزة من على وجه الأرض".
ويُعدّ تعليق نيسيم فاتوري واحداً من التصريحات التحريضية العديدة التي أدلى بها كبار المسؤولين الإسرائيليين في ظلّ العدوان المتواصل والغارات الجوية والعمليات البرية التي ينفّذها جيش الاحتلال في غزة.
ومن بين الساسة الإسرائيليين الذين خضعوا لتدقيق اللغة التي استخدموها في تصريحاتهم، وزير الأمن القومي اليميني المتشدد إيتمار بن غفير، والذي دعا إلى سياسة تشجّع الفلسطينيين على مغادرة غزة، وتوطين الإسرائيليين بدلاً عنهم، وهو شخص مُدان سابقاً، بالتحريض على العنصرية ودعم الإرهاب.
وفي تصريح آخر، قال بن غفير إنه لتجنب تكرار هجوم حماس على إسرائيل، نحن بحاجة إلى العودة إلى ديارنا والسيطرة على أراضي غزة وتشجيع الهجرة وفرض عقوبة الإعدام على "الإرهابيين"، مقترحاً في ذلك بأن تكون هجرة السُكّان طوعية.
وفي منشور تحريضي على منصة "إكس" قال عضو الكنيست "أفيغدور ليبرمان": "أمر لا يصدق: تعاني إسرائيل نقصاً في البطاطا، لأن كمية كبيرة منها تم بيعها إلى غزة"، وردّ وزارة الزراعة كان أكثر سخافة: "طلبنا تنظيم كمية البيع إلى القطاع، كي تبقى الرفوف في إسرائيل ممتلئة، يجب توقيف أنبوب الأكسجين هذا فوراً، لا منتجات غذائية، لا سجائر ولا أي دلال آخر".
موقف بن غفير وغيره من المسؤولين أعطى جنود جيش الاحتلال شعوراً بأنّهم جرائمهم بحق الفلسطينيين في غزة تحظى بدعم وغطاء من السلطات العليا في إسرائيل.
ففي مقطع منشور يعود تاريخه إلى أواخر عام 2023، يُمكن سماع مجموعة من الجنود الإسرائيليين وهم يهتفون: “احتل، اطرد، واستوطن"، وقد شُوهدت تسجيلات أخرى، تسخر وتحتفل بتدمير غزة.
وذكر موقع "مكان" التابع لهيئة البث الإسرائيلية أن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس جاء خلال لقاء مغلق عقده مع قادة مجلس المستوطنات لبحث الوضع الأمني في الضفة الغربية الذي قال فيه: "مخيمات اللاجئين هي بؤر للشر، يجب إخلاء مخيم جنين للاجئين من المدنيين ومن ثم التعامل معه كما التعامل مع قطاع غزة".
كما دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إلى تجويع مليوني فلسطيني في غزة حتى الموت في قوله: "لن يسمح لنا أحد بالتسبب في موت مليوني مدني من الجوع، حتى لو كان ذلك عادلا وأخلاقيا، حتى تتم إعادة رهائننا" بحسب ما أوردته القناة الـ12 الإسرائيلية.
وقد صرح سموتريتش أيضا بأنه يجب تدمير مدينة طولكرم، وتحويلها لتصبح مثل مدن قطاع غزة، وأعاد ذات التصريح إنه يجب أن تصبح طولكرم "مدينة خراب".
توظيف التوراة لتبرير الإبادة
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أوائل الساسة الإسرائيليين الذين استخدموا النصوص الدينية لتبرير الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، ففي شهر نوفمبر/ تشير الثاني الماضي وجّه نتنياهو رسالة إلى الجنود الإسرائيليين في غزة أكثرَ فيها الاقتباسات من التوراة، لتحريضهم ضد قطاع غزة.
وكتب نتنياهو في رسالته مخاطباً الجنود: "أذكر ما فعله بك عماليق"، وهي فقرة من سفر التثنية نصها "اُذْكُرْ مَا فَعَلَهُ بِكَ عَمَالِيقُ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ خُرُوجِكَ مِنْ مِصْرَ".
ويمثل العماليق ذروة الشر في التقاليد اليهودية، ويستخدم هذا التعبير للإشارة إلى الشعوب التي تُهدِّد الوجود اليهودي، واستخدمه نتنياهو أكثر من مرة في تحفيز الجيش الإسرائيلي في حربه ضد الفلسطينيين.
وفي كتاب صموئيل، الفصل 15، تقول الآية 3: "والآن اذهب واضرب العماليق، وحرموا كل ما لهم ولا تعفوا عنهم، بل اقتلوا على السواء الرجل والمرأة، الطفل والرضيع، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً".
كما زعم نتنياهو في رسالته أن "هذه حرب بين أبناء النور وأبناء الظلام، لن نتوقف عن مهمتنا حتى يتغلب النور على الظلام".
كما استخدمت تلك اللغة التحريضية من قبل العديد من حاخامات اليهود، وكان لافتاً على وجه الخصوص، الحاخام "إلياهو مالي"، بعد انتشار مقطع مصور له على الإنترنت، استشهد فيه بأقوال عالم يهودي من القرن الثاني عشر حول الحروب المقدسة، قال فيه: إن القاعدة الأساسية التي لدينا عندما نخوض حرباً واجبة دينية وفقاً للنصوص المقدسة، "ألا تدع نفساً على قيد الحياة"، والتفسير واضح جداً، إذا لم تقتلهم، فسيقتلونك.
والمقطع مأخوذ من محاضرة ألقاها في مارس/ آذار في مؤتمر للمدارس الدينية اليهودية الصهيونية في إسرائيل، وهي المدارس الدينية التي تؤمن إيماناً راسخاً بدولة إسرائيل، والحاخام هو مدير إحدى المدراس الدينية اليهودية ضمن شبكة تتلقى تمويلاً من وزارة الدفاع الإسرائيلية، ويمزج طلاب هذه المدرسة بين دراسة التوراة والخدمة العسكرية، والعديد منهم نشطون في الجيش الإسرائيلي.
ويُعنى حديث الحاخام، وفق وصفه، بكيفية "معاملة السكان المدنيين في غزة خلال الحرب".
ويزعم الحاخام أنَّ حديثه يصف الوضع الذي كان خلال العصور القديمة، مضيفاً "أنّ أي شخص يتبع الوصية الكتابية اليوم، سيتسبب في إلحاق ضرر بالغ بالجيش والأمة"، وأنه بموجب القانون الوطني "يُحظر إيذاء السكان المدنيين سواء كانوا أطفالاً أو كباراً في السن".
وبالرغم من ذلك، وفي لفتة عنصرية، ذكر شعب غزة على وجه التحديد قائلاً: "أعتقد أن هناك فرقاً بين السكان المدنيين في الأماكن الأخرى ومن هم في غزة"، مدّعياً أنّ "نحو 95% منهم يرغبون بزوالنا، وهذه أغلبية، إنه أمر صادم جداً".
وعندما سأله أحد الحضور عن الأطفال، أجاب: تقول التوراة: "لا تدع نفساً على قيد الحياة'، اليوم طفلٌ، وغداً سيكون صبياً، ومحارباً.
وفي المحاضرة نفسها، روى الحاخام ما قاله لابنه الذي ذهب للقتال في غزة، إنّه يجب عليه "قتل كل ما يتحرك"، والاستماع لأوامر قائده العسكري.
وقد نشرت قناة "بي بي سي" البريطانية تحقيقاً في أواخر أغسطس/ آب الماضي ألقت فيه الضوء على الممارسات الإسرائيلية فيما يتعلّق بالتحريض على الإبادة الجماعية.
تحريض وسائل الإعلام
في فبراير/ شباط، قال الصحفي "ياكي أدامكر" على القناة 14 اليمينية: "الغزيون، من وجهة نظري، بإمكانهم أن يتضورا جوعاً حتى الموت. ما الذي يعنيني بشأنهم؟".
وفي أبريل/ نيسان، أعرب "يهودا شليزنجر"، الصحفي الإسرائيلي في القناة 12 عن مشاعر مماثلة، قائلاً: "لا يوجد أبرياء في قطاع غزة، فهم ليسوا أبرياء. لقد صوتوا لحماس، وهم يريدون حماس".
ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقالاً تحريضياً بعنوان: "الضفة الغربية تشهد تصعيداً ملحوظاً: لم تعد الجبهة الثانوية"، يشرعن العقوبات الجماعية والتحريض على المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، ويدعم تصريحات القيادة اليمنية المتطرفة التي تحاول أن تحول الضفة الغربية إلى غزة.
كما نُشر على موقع "سورغيم" مقال تحريضي بعنوان: "مصير الضفة الغربية كمصير غزة: سكان يهودا والسامرة يتظاهرون ضد الإرهاب"، روّجت الصحيفة للعنف والقتل والعقوبات الجماعية في الضفة الغربية.
وفي مقال تحريضي آخر نشرته قناة 14، بعنوان: "الحل المؤقت للإرهاب في الضفة الغربية: فرض حظر عسكري على المدن العربية"، ويطالب بفرض عقوبات جماعية على الفلسطينيين والتعامل بقوة وبطش.
وأضاف المقال: "لكن المشكلة الرئيسية هي أن الإرهاب قد انتشر جنوباً إلى المدن العربية الأخرى في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) ووادي الغور، ما يعني أنّ إسرائيل تواجه الآن تهديدات إضافية في منطقة مليئة بالمتفجرات التي تهدد بالانفجار. الحل المقترح هو فرض حظر عسكري كامل على المدن والقرى العربية في يهودا والسامرة حتى إشعار آخر”.
محكمة العدل الدولية
استندت جنوب أفريقيا في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها أمام محكمة العدل الدولية على تصريحات المسؤولين السياسيين وارتباطها بما يُعبِّر عنه جنود في الجيش الإسرائيلي.
وكان هناك ادعاء آخر تقدمت به جنوب أفريقيا في جلسة محكمة العدل الدولية يتعلق برسائل الإبادة الجماعية التي يتم بثها بشكل دوري، دون رقابة أو عقوبة، في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وقد تضمّن حكم مؤقت صدر في يناير/ كانون الثاني، عن محكمة العدل الدولية، بأن تقوم إسرائيل بمنع التصريحات التي تُحرّض على الإبادة الجماعية.
وقد اعترف النائب العام الإسرائيلي بأنّ أي تصريحات تدعو إلى إلحاق الأذى المتعمد بالمدنيين "قد تشكل جريمة جنائية، بما في ذلك جريمة التحريض".
ووفقاً لمنظمة "القانون من أجل فلسطين" التي تضم خبراء حقوق الإنسان من جميع أنحاء العالم، فإنّ الدعوة إلى تهجير سكان غزة يُعدّ جزءاً من التطهير العرقي المستمر في القطاع، وإشارة إلى الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل.